الممر الاقتصادي والأذرع العسكرية: كيف يحوّل CPEC باكستان إلى قاعدة صينية متقدمة؟”
بقلم د.أسامة بوشماخ

يشهد التعاون الاستراتيجي بين الصين وباكستان تصاعداً ملحوظاً، مع كشف معلومات جديدة تشير إلى تدخل صيني مباشر في الصراعات الإقليمية الحديثة. هذا التطور ليس مفاجئاً نظراً لتحول الشراكة بين البلدين إلى تحالف قوي متعدد الأبعاد، ولاسيما منه التعاون الدفاعي كركيزة أساسية.
يأتي هذا المسعى كرد فعل على شبكة الدفاع الصاروخي الهندية متعددة الطبقات التي تتطور باطراد.
اتهامات هندية بتورط صيني مباشر
أكد نائب رئيس أركان الجيش الهندي الفريق رحول سينغ أن الصين زودت باكستان بـ”معلومات محينة” عن المواقع الهندية الحيوية خلال الصراع الدامي بين البلدين في ماي الماضي.
وصف سينغ الدعم الصيني بأنه تطبيق لاستراتيجية “القتل بالسكين المقترضة” المستمدة من “الاستراتيجيات الستة والثلاثين” الصينية القديمة، والتي تمكن بكين من إلحاق الضرر بخصم استراتيجي دون تورط مباشر. كما وصف الصراع بأنه مثل “مختبر حي” للصين لاختبار أسلحتها ضد تلك المصنعة في دول أخرى، وهو ما يدفع حسب نائب رئيس الاركان الجيش الهندي إلى ضرورة تحديث أنظمة الدفاع الجوي بشكل عاجل رداً على هذا الدعم المزعوم.
جاءت هذه الاتهامات في وقت تشهد فيه العلاقات بين الهند والصين توتراً متصاعداً إثر مواجهات حدودية عام 2020 أدت إلى حالة استنفار عسكري استمرت أربع سنوات. ورغم بدء تخفيف التوتر بعد اتفاق أكتوبر 2024، فإن هذه الاتهامات الجديدة قد تعيد إشعال الخلافات.
نفت باكستان تلقي دعم فعلي من الصين خلال الصراع، لكنها لم تصدر بيانات محددة حول احتمال تلقى مساعدات عبر الأقمار الصناعية والرادارات. من جانبه، قلل رئيس أركان الدفاع الهندي من أهمية مسألة مشاركة المعلومات، مشيراً إلى إمكانية شراء الصور الفضائية تجارياً.
تكشف هذه التطورات عن بعد جديد في التنافس الدولي على أسواق السلاح، حيث لم تعد المنافسة تقتصر على الجودة التقنية فحسب، بل تمتد إلى حرب المعلومات وصناعة السرديات لتعزيز المصالح الاقتصادية والسياسية.
رد فعل بكين على مزاعم دعم باكستان في الصراع مع الهند
جاء الرد الرسمي الصيني أن الصين وباكستان “جيران تقليديون تربطهما علاقات ودية”، وأن التعاون في مجال الدفاع والأمن هو جزء من التعاون الطبيعي بين البلدين ولا يستهدف أي طرف ثالث، وشددت المتحدثة على أن كلاً من الهند وباكستان جاران مهمان للصين، وأن بكين تتابع عن كثب تطور الأوضاع بين البلدين، وتعمل بنشاط على تعزيز السلام والمفاوضات للحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وأضافت: “نرحب بجهود الهند وباكستان وندعمها في معالجة خلافاتهما بشكل سليم من خلال الحوار والتشاور، والسعي لإيجاد حلول جذرية. كما أن الصين مستعدة لمواصلة لعب دور بناء في هذا الصدد”.
وفي إشارة إلى العلاقات الصينية-الهندية، أضافت ماو أنها تمر حالياً بمرحلة حرجة من التحسن والتطور. “نحن على استعداد للعمل مع الجانب الهندي لدفع العلاقات الصينية-الهندية للمضي قدماً على مسار صحي ومستقر.
وعند سؤالها عن الادعاءات بأن الصداقة الصينية-الباكستانية لا تستهدف أي طرف ثالث، لكن خلال الصراعات الهندية-الباكستانية السابقة قدمت الصين مساعدة وثيقة لباكستان على حساب الهند، أكدت ماو نينغ مرة أخرى أن الصين تشجع كل من الهند وباكستان على حل خلافاتهما بشكل سليم من خلال الحوار والتشاور، والحفاظ معاً على السلام والاستقرار الإقليمي.
التداعيات الاستراتيجية والإقليمية لنقل صواريخ DF-17 إلى باكستان
تحول جيوسياسي في جنوب آسيا
من المنظور الجيوسياسي، فإن النقل المحتمل لنظام DF-17 إلى باكستان سيمكن الصين من تعزيز موقعها في البنية الاستراتيجية لجنوب آسيا، مستفيدةً من أنظمة الأسلحة المتطورة لصالح إعادة موازين القوى الإقليمية لصالح باكستان، فميزات استراتيجية متقدمة عبر تكنولوجيا المركبات الانزلاقية فائقة السرعة (HGV) توفر لباكستان ميزة حاسمة في:
الردع الاستراتيجي والقدرات الضاربة السريعة والدقيقة لمدى يصل الى 2000-2500 كم يغطي معظم المراكز الاستراتيجية الهندية، فضلا عن ذلك يمنح النظام الباكستاني قدرات متقدمة تشمل ضربات استباقية ضد الأصول المتحركة الهندية (منصات صواريخ أجنى الباليستية وأسراب مقاتلات رافال) وتنفيذ عقيدة “ضربة قطع الرأس” لشل البنية التحتية للقيادة والسيطرة الهندية، كما انه بإمكانه تقليص الرد الهندي مما يزيد مخاطر التصعيد النووي غير المقصود
تهديد تقليدي غير مسبوق
حتى في الحروب التقليدية، يشكل DF-17 تهديداً جسيماً بسبب قدرته على المناورة والسرعة الفائقة وتحييد عقد الرادار وأنظمة الدفاع النقطي في ثوانٍ ، فضلا عن ذلك كله بإمكانه تمهيد الطريق للهجمات الجوية والأرضية اللاحقة.
وفي حال تطويره للنشر على منصات بحرية وقاذفات متنقلة برية، سيمكن باكستان من تشكيل قوة ضاربة فائقة السرعة تتميز بصعوبة التتبع أو الاعتراض من قبل أنظمة المراقبة الهندية أو الأمريكية وااقدرة العالية على المناورة والبقاء.
يرتقي هذا النظام بالعقيدة العسكرية الباكستانية إلى حروب الضربة من الجيل الخامس عبر اعتماد السرعة والدقة والبقاء بعد الضربة الأولى، والتحول المحوري من سباق الكم إلى سباق السرعة والتأكد المطلق من التأثير.
تداعيات استراتيجية بعيدة المدى
يشكل هذا التطور تحولاً نوعياً في موازين القوى الإقليمية كما يمثل تحدياً وجودياً للاستراتيجية الدفاعية الهندية عبر اختبار حقيقي لنظم الدفاع الصاروخي المتعددة الطبقات، كما يبرز نقطة تحول في سباق التسلح الآسيوي الذي يركز على الجودة.
التحوّل في التعاون الأمني ودور الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)
لم يعد التعاون الصيني-الباكستاني مقتصراً على مبيعات الأسلحة والإنتاج المشترك، بل امتد ليشمل الأمن السيبراني من خلال تعزيز القدرات الدفاعية الرقمية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية في ظل شبكات مراقبة ومعلوماتية متكاملة، فضلا عن عمليات مكافحة الإرهاب بالتدخلات المشتركة في المناطق الحساسة، وهو ما سمح بتواجد أمني صيني متزايد عبر شركات الأمن الخاصة الصينية وانتشارها الواسع تحت ذريعة حماية مشاريع CPEC، والشبكات الاستخباراتية الصينية بفضل بنية تحتية معلوماتية متطورة.
تحول CPEC لمحور عسكري-استراتيجي
بات الممر الاقتصادي الذي كان يُروّج له كمشروع تنموي يحمل أبعاداً أمنية، فميناء جوادر مشروع ذو استخدام مزدوج (مدني-عسكري) يحمل قدرات استقبال بحري باستضافة سفن حربية صينية مستقبلاً وتعزيز الوجود البحري الصيني في المحيط الهندي، فباكستان نقطة ارتكاز اقليمية وحجر الزاوية في الاستراتيجية الصينية لنفوذ الصين في Indo-Pacific ومنصة مراقبة متقدمة في تتبع تحركات الأساطيل الأمريكية والهندية، وعمق استراتيجي صيني في بحر العرب والمحيط الهندي.
تداعيات التواجد العسكري الصيني
أدى هذا التحول إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي، كما شكل تحديات للهيمنة التقليدية ولاسيما للقوى الغربية في المنطقة مما يدفع نحو سباق جديد على النفوذ في المحيط الهندي.
هذا التطور يعكس تحولاً جوهرياً في طبيعة التحالف الصيني-الباكستاني من شراكة اقتصادية إلى تحالف استراتيجي متعدد الأبعاد له انعكاسات جيوسياسية بعيدة المدى.
المخاطر والتحديات: تداعيات الاعتماد العسكري الباكستاني على الصين
مخاطر الاعتماد الأحادي على التكنولوجيا الصينية يؤدي الى تقلص خيارات التنويع العسكري لباكستان في مجال الطائرات المقاتلة، الغواصات، أنظمة الصواريخ وفقدان التوازن التاريخي في الاستيراد العسكري الذي كان موزعاً سابقاً بين الصين والغرب.
تداعيات إقليمية خطيرة
لاشك ان الاقليم يقع تحت ما يعرف بالمعضلة الأمنية فتسريع وتيرة التحديث العسكري الهندي ردا على التقارب الصيني-الباكستاني سيؤدي الى إشعال سباق تسلح جديد في جنوب آسيا بمواصفات تكنولوجية متقدمة، وتصاعد المنافسة الاستراتيجية التي تهدد استقرار المنطقة.
الأبعاد الخفية للتعاون الدفاعي:
دعم صيني غير معلن للردع النووي الباكستاني عبر مساعدات تكنولوجيا الصواريخ و نقل الخبرات النووية، وعليه تحولت باكستان إلى ساحة اختبارللأسلحة الصينية الحديثة مثل:
– الطائرات المسيرة المتطورة
– المقاتلات الحديثة
– السفن الحربية الجديدة
وهو ما سمح بالتمدد العسكري الصيني في باكستان عبر زيادة السيطرة الصينية على الوجود العسكري في الأراضي الباكستانية وإنشاء مناطق أمنية خاصة بالقرب من مشاريع CPEC التي تتميز بـسيطرة صينية كاملة وإشراف باكستاني محدود.
هذه التطورات تخلق واقعاً جديداً يثير تساؤلات حول مدى الحفاظ على السيادة الباكستانية وحدود النفوذ الصيني في القرار الأمني الباكستاني مما يدفع بنا في التفكير الى تداعيات التواجد العسكري الصيني المباشر في المنطقة.