توسع الفيلق الافريقي ومعالم بداية انحسار فاغنر في افريقيا
أ.د أسامة بوشماخ

تشهد غرب إفريقيا ومنطقة الساحل إعادة تشكيل خريطة أمنية تتسم باعتماد متزايد على فاعلين خارجيين، حكوميين وشبه حكوميين. في مواجهة عدم الاستقرار المستمر، وتصاعد التهديد الإرهابي، تسعى دول إفريقية عديدة لتحالفات جديدة لضمان أمنها.
يتجلى هذا التحوّل الأمني في ظهور “الفيلق الإفريقي خلفاً لمجموعة “فاغنر، حيث تُسهم أنشطته في مالي وبوركينا والنيجر إسهاماً محورياً في دعم الحكومات اللاشرعية. غير أن التدخّل العسكري الروسي يُنتِج التباين بين النموذج المرتزقي السابق (فاغنر) والكيان المؤسساتي الحالي (الفيلق الإفريقي) إطاراً أمنياً جديداً يعيد تشكيل التوازن الجيوسياسي الإقليمي، ويُعيد تقييم الأدوار الاستراتيجية للقوى الفاعلة هذا السياق.
بعد رحيل بريغوجين، أعادت وزارة الدفاع الروسية السيطرة على عمليات فاغنر في إفريقيا، معلنةً ولادة “الفيلق الإفريقي”. يسعى وريث فاغنر إلى تعزيز النفوذ الروسي في إفريقيا عبر نهج أكثر مؤسسية وتنسيقًا. يركز الفيلق الإفريقي على تدريب القوات المحلية وتأمين البنى التحتية الاستراتيجية، محوّلاً بذلك العمليات السرية إلى وجود عسكري معلَن ومتكامل. تُقدَّم هذه الكيان الجديد كأداة رسمية للنفوذ الروسي بالقارة.
تستجيب تدخلات فاغنر والفيلق الإفريقي لطلب متزايد لدعم عسكري في مواجهة التمردات الجهادية والصراعات الداخلية، خاصةً بعد الانسحاب التدريجي للغرب، إلا أن هذه الشراكة ترتبط غالبًا باتفاقات غامضة تربط بين المساعدة الأمنية وتنازلات اقتصادية (مناجم، هيدروكربونات، بنى تحتية).
منذ أواخر 2021، عززت روسيا عبر فاغنر ثم الفيلق الإفريقي وجودها العسكري في مالي. تُظهر صور الأقمار الصناعية للقاعدة الروسية في باماكو قرب مطار موديبو كيتا توسعات كبيرة بين ديسمبر 2024 وجانفي 2025، شملت طرقات جديدة، ونقل معدات عسكرية، وأعمال حفر. وفي مطلع فيفري 2025، نشر الفيلق الإفريقي وحداته في مالي مع وصول قافلة كبيرة لمعدات عسكرية روسية من كوناكري، شوهدت في شوارع باماكو.
شاركت مجموعة فاغنر (الموجودة منذ 2021) في التدريب العسكري والمعارك الميدانية، وتكبدت خسائر فادحة فيما تعرف “بغزوة تينزاواتين” في جويلية 2024. سمحت منافستها الداخلية مع الفيلق الافريقي باستبدالهم بعناصر من وزارة الدفاع الروسية الأكثر قبولاً سياسيًا لتعرض فاغنر لانتقادات بسبب أساليبها المثيرة للجدل، حيث تُتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة كالسرقة، الاعتقالات التعسفية، التعذيب، الإعدامات خارج نطاق القضاء، ونهب الثروات المعدنية.
تشير تقارير متعددة المصادر إلى اهتمام كل من “فاغنر” و”الفيلق الإفريقي” بالتواجد في دول إفريقية أخرى فضلا عن الساحل الافريقي ، أبرزها: موزمبيق، مدغشقر، زيمبابوي، أنغولا وغينيا بيساو. وتبدو الاستراتيجية الروسية – بحسب التحليل الجيوسياسي – مُصمَّمة لبسط النفوذ على شطر واسع من شمال إفريقيا (من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي)، عبر تعزيز الوجود في خليج غينيا ووسط إفريقيا، مع تركيز خاص على تشاد وهو ما سيؤدي الى انسحاب فاغنر مقابل توسع الفيلق الافريقي.
تمثل نشأة الفيلق الإفريقي مرحلة جديدة في استراتيجية النفوذ الروسي بإفريقيا. تحت الإشراف المباشر لوزارة الدفاع الروسية، يستهدف هذا الكيان إضفاء الطابع الرسمي والمؤسسي على العمليات التي كانت تنفذها فاغنر ذات الانتقادات الحقوقية الواسعة، معززًا بذلك الوجود العسكري الروسي بالقارة. يُقدَّر عدد عناصر الفيلق الإفريقي بنحو 5000 فرد موزعين على عدة دول إفريقية.