تهديد إيران بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي: التطورات الأخيرة
مساهمة بقلم: د أسامة بوشماخ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

حذرت الحكومة الايرانية في 11 جانفي 2025، نيتها في الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) إذا أعاد المجتمع الدولي فرض العقوبات الأممية التي كانت قد أُلغيت بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة في 2015، وذلك وفقًا لآلية “الاستعادة التلقائية” (Snapback) المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن المرتبط بالاتفاق النووي.
حيث تجدر الاشارة نهاية آلية صلاحية مهلة “الاستعادة التلقائية في أكتوبر 2025، مما يزيد من حساسية الموقف، وهو ما أدى الى ارتفاع الاصوات داخل إيران بعد ضرب مفاعلها المطالبة بـالخروج من المعاهدة وتسريع برنامج التسلح النووي ردًا على الهجمات.
-مشروع قانون في البرلمان الإيراني (مجلس الشورى):
اعلن المتحدث باسم الخارجية الايرانية في 16 جوان 2025 أن المجلس يدرس مشروع قانون للانسحاب من المعاهدة مما زاد من حدة التوترات المتزايدة مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني إثر تزايد الضغوط الداخلية لتبني موقف أكثر تشددًا بعد الهجمات الإسرائيلية.
وجاءت المخاوف الدولية من أن يؤدي الانسحاب إلى تقويض نظام عدم الانتشار العالمي وفتح الباب أمام سباق تسلح نووي إقليمي.
تنص المادة العاشرة من المعاهدة على أن لكل طرف الحق في الانسحاب إذا قرر أن “أحداثاً استثنائية تتعلق بموضوع هذه المعاهدة قد تعرضت للمصالح العليا لبلاده للخطر”، ويشترط لذلك تقديم إخطار مسبق قبل ثلاثة أشهر لجميع الأطراف الأخرى ولمجلس الأمن الدولي، مع تضمين الإخطار بياناً يوضح طبيعة هذه “الأحداث الاستثنائية”، فضلا عن نتهاء الالتزامات بعد الأشهر الثلاثة، بما في ذلك الامتناع عن امتلاك أسلحة نووية والخضوع لنظام الضمانات.
– يستدعي استحضار تجربة كوريا الشمالية التي تعد الدولة الوحيدة التي استخدمت هذا البند سنة 1993بعد أعلانها عن الانسحاب بعد ثبوت عدم امتثالها لاتفاق الضمانات، لكنها أوقفت الإخطار قبل يوم واحد من نفاذه في إطار “الإطار المتفق عليه” الذي جمد برنامجها النووي
وفي سنة 2003 أعلنت الانسحاب مجدداً بعد اتهامات بتطوير برنامج تخصيب سري، مما أدى إلى طرد مفتشي الوكالة وفرض عقوبات مجلس الأمن لكنها تمكنت من تطوير ترسانة نووية (50 سلاحاً نووياً و6 تجارب حتى الآن).
الوضع الإيراني:
– تختلف حالة إيران عن كوريا الشمالية فالأحداث الاستثنائية التي قد تستند إليها طهران واضحة (العقوبات، الهجمات الإسرائيلية، إلخ)، فمن غير المرجح أن يتم الطعن في شرعية الانسحاب من حيث الشكل، لكنها قد تواجه إيران عقوبات مماثلة لكوريا الشمالية في حال الانسحاب.
– محدودية الاستجابة الدولية لانسحاب إيران:
تظهر التوقعات ضآلة احتمالية وجود ردود فعل متعددة الأطراف فعالة إزاء أي إخطار انسحاب إيراني، حيث سيقتصر الأمر على طلبات غير ملزمة لإعادة النظر في القرار وضرورة تحقيق إجماع بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (ما يعتبر مستبعداً في الظروف الحالية)، لكن مع ذلك، تبقى خيارات الضغط متاحة عبر عقوبات اقتصادية من قبل دول أو تحالفات محددة وإجراءات عسكرية قسرية (لكنها تتطلب بديلاً دبلوماسياً مقنعاً لتحقيق الفعالية)، مع بقاء خيار مواجهة إيران لهذه الضغوط بقدرة عالية على التحمل، خاصة عندما يكون الشرف الوطني على المحك.
تداعيات انتشارية محتملة
تمثل معاهدة عدم الانتشار أكثر اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية شمولاً (تشمل جميع الدول باستثناء الهند، إسرائيل، باكستان، جنوب السودان، وكوريا الشمالية)، لكن انسحاب إيران قد يحدث تأثيرات أعمق من سابقة كوريا الشمالية سنة 2003، وذلك بسبب:
ردود الفعل الإقليمية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تعهدت بالمماثلة النووية في حال امتلاك إيران للسلاح، وتركيا عبر رئيسها عن “اللاعدالة” في منعها من امتلاك أسلحة نووية، دون اغفال القوى العالمية ككوريا الجنوبية حيث يثار نقاش جاد حول تطوير أسلحة نووية لردع التهديد الشمالي وتراجع الحواجز النفسية أمام السعي النووي لدول أخرى
وعليه، قد يشكل الانسحاب الإيراني نقطة تحول في نظام عدم الانتشار العالمي، مع تأثيرات مضاعفة تفوق بكثير تجربة كوريا الشمالية.
الردود الدولية المحتملة على انسحاب إيران
أولا: محدودية التأثير الدولي في الظروف الراهنة
التهديدات السابقة لانسحاب إيران من المعاهدة كانت تُعتبر في الغالب أوراق ضغط تفاوضية، في السابق كان الانسحاب الفعلي سيعرض إيران لضغوط دولية أكبر، لكن اليوم ستكون ردود الفعل الدولية أكثر اعتدالاً على إثر عدم احتمال فرض مجلس الأمن عقوبات أو متطلبات رقابية جديدة.
ثانيا: ضعف الضغوط على الشركاء التجاريين والدول الموردة للتكنولوجيا النووية لتقييد تعاونهم مع إيران.
وهو ما يقود الى الجهود الدولية لمنع الانسحابات بعد تحربة انسحاب كوريا الشمالية عام 2003، ناقشت الدول الأعضاء في المعاهدة سبل ردع الانسحابات المستقبلية، واتفقت على أن الانسحاب يُضعف أمن الدول المتبقية في المعاهدة وأن الانسحاب لا يجب أن يكون وسيلة للتهرب من المسؤولية عن انتهاكات المعاهدة، كما تم منع تحويل مكاسب التعاون النووي السلمي إلى أغراض عسكرية.
ولهذا تم اقتراح آليات لتعزيز هذه المبادئ، مثل:
– الحوار الدبلوماسي المكثف.
– استمرار تطبيق ضمانات الوكالة الدولية حتى بعد الانسحاب.
– تقييد التعاون النووي مع الدولة المنسحبة.
ثالثا: العقبات القانونية والسياسية
لا يوجد تعديل للمعاهدة التي تسمح بالانسحاب فقرار مجلس الأمن 1887 (2009) دعا إلى معالجة أي إخطار انسحاب فوراً كما شجع الدول على إدراج “حق استعادة المواد النووية” في اتفاقات التعاون. فشل مؤتمر مراجعة المعاهدة 2022 في إقرار وثيقة ختامية بسبب اعتراضات روسيا المتعلقة بأزمة أوكرانيا.
رابعا: الوضع الخاص بإيران: هامش المناورة الروسي
روسيا هي الشريك النووي الرئيسي لإيران (مفاعل بوشهر + وحدات إضافية قيد الإنشاء) حيث توفر الوقود النووي وتدير المشاريع المشتركة.
فروسيا قد تحاول ثني إيران عن الانسحاب، لكنها لن تضغط بشدة بسبب العلاقات الاستراتيجية. كما انها قد تطلب استمرار ضمانات الوكالة في منشآت بوشهر فقط (وفقاً لالتزامات مجموعة الموردين النوويين)، لكن هذا لن يشمل منشآت التخصيب أو يكشف النوايا العسكرية المحتملة.
وعليه، فالردود الدولية ستكون محدودة التأثير بسبب الانقسامات في مجلس الأمن والاعتبارات الجيوسياسية فإيران تتمتع بمرونة كبيرة في ظل الدعم الروسي المتزايد، وضمانات في بوشهر ستكون غير كافية لضمان الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني ككل